أنيس الجرماني

تراجعت مساهمة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في لبنان بشكل حاد، لتبلغ دولاراً واحداً فقط لكل وحدة دواء في العام 2023، مقارنة بـ17 دولاراً في العام 2018، ما أدى إلى تقليص عدد الأدوية المغطاة من 13.2 مليون إلى نصف مليون وحدة، وانخفاض حصة الفرد إلى أقل من علبة واحدة سنوياً. وقد انعكس هذا التراجع أيضاً في انخفاض عدد المساهمين في الصندوق، ما يعكس أزمة ثقة بنظام لم يعد يوفر الحد الأدنى من الحماية الصحية.

على الرغم من وعودها بسياسات مبنية على الحقوق والأدلة، بدت وزيرة الشؤون الاجتماعية، حنين السيّد، وكأنها تكرر الوصفة القديمة ذاتها: برامج دعم ضيّقة، وتمويلات نقدية لا تسمن ولا تغني من فقر.

في مقابلة وداعية على قناة الحدث، استعرض وسيم منصوري، حاكم مصرف لبنان بالإنابة، «إنجازاته» في خلال فترة توليه المسؤولية، ورأى أن أهمّها هو تحقيق الاستقرار النقدي، إلا أن مجموعة من الاقتصاديين تحدّث إليهم «صفر» يرون أن ذلك تحقّق عبر إجراءات أدّت إلى تعميق الدولرة، وتأكل القدرة الشرائية للناس، وزيادة الضرائب عليهم.

تثبت الوقائع الصحية الماثلة من بلدان عدّة في العالم، أن الافتراض النيوليبرالي بأن المنافسة في القطاع الخاص تعزّز جودة الرعاية هي أمر خاطئ، وقد أسفرت عملياً عن تدهور جودة الخدمات، وارتفاع معدلات الوفيات، واتساع الفجوة في العدالة الصحية.

في ورقة بحثية غير مسبوقة يعترف صندوق النقد الدولي بأن سياسات التقشّف التي روّج لها مدمّرة، وأن السوق الحرّة ليست دواءً سحرياً، بل يجب على الدول التدخّل في رسم السياسات الاقتصادية لتجنّب الاضطرابات التي قد تهدّد السلم المجتمعي.

كشف تقرير البنك الدولي عن دمار هائل طال قطاعي الصحة والتعليم جراء العدوان الإسرائيلي على لبنان ما أدى إلى خسائر بمليارات الدولارات.

يعتمد العالم على الناتج المحلي الإجمالي كمؤشر أساسي للتقدّم، لكنه لا يعكس جودة الحياة أو مستوى الرفاه الاجتماعي. فمع استمرار الأزمات البيئية والتفاوت الاجتماعي، يتزايد الجدل حول ضرورة البحث عن بدائل أكثر شمولاً.

من جائحة كوفيد-19 إلى تخفيضات التمويل المفاجئة، أثبتت الأزمات أن الاعتماد على المساعدات يُبقي الجنوب العالمي في حلقة مفرغة من التبعية. مع ذلك، تشكّل أزمة التمويل المستجدة فرصة لكسر هذه القيود.

لم ينهر النظام الصحّي في غزة فحسب بل مُحي بالكامل! ومع استمرار الكارثة الإنسانية، تواجه غزة أخطر أزمة صحّية في التاريخ الحديث. إن إعادة الإعمار ليست مجرّد إعادة بناء المستشفيات بل معركة من أجل البقاء.

من نيبال التي خرجت من حرب أهلية إلى تايلاند وإندونيسيا اللتين استغلتا انهيارهما المالي، نجحت دول آسيوية في تحويل محنها إلى محركات للتغيير في قطاع الصحّة. في المقابل، ظل لبنان، على الرغم من انهياراته المتكرّرة، غارقاً في نظام صحي مخصخص يتآكل ببطء، بينما يدفع السكّان الثمن. فكيف نجح الآخرون حيث فشل لبنان؟

يواجه لبنان في العام 2025 خطر أزمة صحّية كبرى ما لم يتم تداركها بوضعها على أعلى سلّم الأولويات. فقد تضافرت جملة من العوامل المتداخلة، لتخلق الظروف المثالية لتفشّي الأوبئة، في ظلّ التقشّف القاسي، وسوء التغذية العارم، وعجز المزيد من السكّان عن الوصول إلى الخدمات الصحّية.

يُشبَّه التنافس الحالي بين الولايات المتحدة والصين على الهيمنة في قطاع الذكاء الاصطناعي بالحرب الباردة الثانية. إذ يمكن وصف إطلاق شركة DeepSeek لنموذج R1 بلحظة تاريخية تشبه إطلاق الاتحاد السوفياتي للقمر الصناعي «سبوتنيك» الذي صدم العالم بريادته التكنولوجية.